الهديــــــة
لعل أحداً ممن يعرف الرجل القاسي القسمات لا يذكر أنه رآه مبتسماً أو ضاحكاً. رجل ريفي الأصل، حادّ الملامح، شديد النظرات، زرع الهيبة في قلوب من حوله من أهل وأقارب وأبناء قريته التابعة لحمص. عاش مع الأرض القاسية فاكتسب منها صلابة المشاعر حتى ظنّ الناس أنه لا يعرف الرقة.\nعندما نال ابنه البكر الشهادة الثانوية، سأله عن مستقبله، فأجابه الابن بثقة: أريد السفر إلى ألمانيا لمتابعة الدراسة. فقال الأب بحزم: هيئ نفسك للسفر، وأريدك أن تحصل على الشهادة العالية.\nغادر الابن حمص في أوائل الستينيات يحمل شهادته وأوراقه، وفي قلبه صورة والده الصارمة وكلماته القاطعة. وبعد سنوات عاد إلى بلده حاملاً شهادة الدكتوراه، والجنسية الألمانية، وعقد عمل مرموق، ليصبح مديرًا لأحد فروع شركة باير العالمية، ويشرف على عدد من الأطباء والفنيين.\nعند عودته، وزّع الهدايا على أفراد الأسرة جميعاً، وساد صمت مريب حين لم يحصل الأب على شيء. ثم عاد الابن وقدم لوالده هدية ملفوفة قائلاً: هذه هديتي لك… إنها شهادة الدكتوراه.\nعندها رأى الجميع ما لم يروه من قبل: دمعتان على خدّي الرجل القاسي، وابتسامة خجولة تفيض فخرًا وفرحًا. كانت تلك الدموع والابتسامة كزهرة الصبار، نادرة الظهور، لكنها الأجمل على الإطلاق.\n\nالكاتب: معتصم دالاتي
Leave a Reply
Your email address will not be published. Required fields are marked *






